Skip to main content

من المعقول أنّ الله يحبّ المحسنين

واللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[1]
بقلم د. سليم سيرجيو

من الإتجاهات الحديثة هي فكرة أنّ المال هو سبيل آمن جداً إلى السعادة. ولكنّ معظمنا لسنا بأغنياء، ونتيجة لهذا قد أصبح بعضنا قلقين. إضافةً، الكثيرون من معاصرينا يحبّون الشهرة الفورية. حيث إن في حِقبة مواقع وبرامج التّواصل الاجتماعي، أصبحت الرغبة في الشهرة  جذابة ولو كانت لدقيقة فحسب.
من المحتمل أنّ إحدى المشاكل المرتبطة بهذه النظرة هي أنّها تسهّل السيطرة على من يبحث عن السعادة أو الشهرة بدون أي إشارة إلى الآخرين وبدون تحسين الظروف الهيكلية التي يقوم عليها نظام الفساد وهو الذي يفسد السعادة الحقيقية والدائمة والشهرة السليمة والمستحقّة.
أليست العدالة والأمانة والقيام بالصالحات في علاقاتنا الإجتماعية والسياسية من أهمّ علامات السعادة الإجتماعية وشهرة الأفاضل؟ بالحقيقة يمكننا التساؤل هل ترتبط سلامة الدين أيضاً بالعدالة والأمانة والأعمال الصالحة؟ إذا وافقتم معي أنّ الله لا يحتاج للعبادة —لأنّها لا تضيف أي شيء لألوهية الله ولا تسقط شيءاً منها أيضاً— إذن ستُجيبون "نعم". من المعقول أنّ الله أمر بالعبادة كعلاج للإعتزاز بالنفس وبالنظر إلى إمكانية العبادة لمساعدتنا في تصليح الموازنة التي نكسّرها بالغطرسة والإستغناء. بعبارة أخرى، قد تهدف العبادة المعقولة إلى أنّنا نتعلّم خلالها بطريقة رمزية أنّنا من المخلوقات وأنّ مصيرنا يتعلّق بسيرنا في الدنيا. حيث تُشكَّل أمانتنا تجاه الخالق بالأعمال التي تُكتَب في كتاب الله وليس بالأفكار والكلمات الدينية فقط. بعبارة أخرى، لو أردنا أن نقيس قيمة العبادة المادية، لن نجد أفضل طريقة لفعله من مقياس العدالة والكرم في علاقاتنا كفرد وكمجتمع. إنّني على قناعة أنّ الطريق إلى الخالق لا يسير خلال المساجد فقط ولكنّه يرتبط بالمخلوقات كلياً ولذلك يكون العالم كلّه مسجد. إذن لا بدّ  أن أوافق مع قول من أقوال سيرة سالم بن ذكوان: "إنما خلقها"—يعني الدنيا— "ليبلوا فيها العباد أيّهم أحسن عملاً فجعل" —عز وجل—  "العمل في الدنيا والجزاء به في الآخرة".[2]
لا شكّ أنّ الفقر هو أحد الظروف التي تخفّض قيمة حياة الإنسان كمخلوق بشكل هيكلي. لذلك، العبادة دون العمل الإجتماعي تشبه التوحّد الروحي. حيث إنّ الدين بغير الإلتزام لإصلاح العلاقات الإجتماعية وتوزيع المصادر يصبح بسهولة خدمةً للأقوياء ويديم الوضعَ الراهن غير العادل. لذا يجب علينا المساعدة في إخراج الفقراء من سجن الفقر وعقليته. وينبغي أن نصحّح تاريخ الفساد والظلم من خلال قطع القيود الإقتصادية والسياسية التي كانت وما زالت من أسباب الفقر غير المستحق. ولكنّ قصدي ليس إنشاء نظام سياسي ديني أو دولة دينية، بل المقصود هو تجدّد المجتمع عن طريق تجديد الأوليات الشخصية والإجتماعية والسياسية والدينية. إنّني لا أقصد تأسيس دولة دينية لكن دولة عادلة وقائمة على حرية النمو العادل، والآن، بسبب التنوّع الكبير في معظم المجتمعات  في العالم، نظام الدولة الدينية المبنى على دين واحد ليس دائما أعدل تقويم سياسي وأفضل سبيل للسلام المستدام. لأن لن يأتي الإنتصار على نظام الظلم والتكبّر والتكثّر إذا تبنّى الناس، بعد تطوّر مواقعهم الإجتماعية، نفس العقلية التي كانت تتسبّب بها صعوباتهم ودمار بيئة مخلوقات الله بغرض مجرّد زيادة رأس المال. حيث إنّ الثورة الثقافية والروحية التي تخلع عن الملك لتتوّج آخر مثله ليست ثورة حقيقية أبداً. فالعالم يحتاج إلى ثورات من قبل قلوب لها أولويات أفضل، وليس للأسلحة التي تدمّر الأسر دون أنّها تبني مجتمعات أكثر عدلاً وتبدّل القادة غير العادلين بقادة جدد يتصرفون بنفس الطريقة مثل سابقيهم.
من ثمّ، كما صرّح سقراط الفيلسوف، "لا أحد يملك عباءة العظمة المفخمة، ليس بحكم الحقّ أو بسبب القوة أو من أجل تقليد من التقاليد المحترمة. إنّها ليست لأي شخص يقصد السمعة المستديمة وهو  يتجاهل مطالب العدالة. حيث إن لا يتم كسب الإستثناء الذاتي إلا من خلال المحاولة المستمرّة لدى المواطنين الملتزمين سويةً، جيل بعد جيل،  بأغراض دعم مجتمع يسعى إلى خدمة الخير للجميع"[3]. إذاً، من المعقول أنّ الله يحبّ المحسنين.



[1] آل عمران 134
[2] Crone & Zimmermann, 2001, pp. 40 and 42.
[3] “The mantle of glorified greatness belongs to no society by right or by might, or by revered tradition, he [Socrates] taught. It belongs to no individual who, ignoring the claims of justice, strives to make a name that might outlast him. Exceptionalism has to be earned again and again, generation after generation, by citizens committed, together, to the endlessly hard work of sustaining a polity that strives to serve the good of all.” (Rebecca Goldstein, ‘Making Athens great again’. The Atlantic, 2017)

Comments